#راية_الإصلاح ـ جديد المقالات
💢 القاديانية
💢 توفيق عمروني
💢 منشور في العدد (36) من #مجلة_الإصلاح
لقَد نشرت إحدى الصُّحف اليوميَّة السَّيَّارة عندنا قبل أيَّام حوارًا مع أحدِ الجزائريِّين المنتَسبين ـ على حدِّ زعمِه ـ إلى الطَّائفة القاديانيَّة الضَّالَّة، تقيَّأ فيه بعضَ تُرَّهات نِحلتِه الباطلة وخُزَعْبلات عقيدتِه المنحَرفة، ونحن اليوم في زمن يزعُم أهلُه أنَّ النَّاس أحرارٌ في أديانِهم ومعتقداتِهم؛ وهذا ما تقرُّه الأنظمة الوضعيَّة وإلاَّ فهو أمرٌ مصادمٌ لصريح الإسلام الَّذي لا يقبل الرِّدَّة عنه.
كما لا يستقيمُ الاستطراد هُنا للحديث عن خطورة نشر مثل هذه الشُّبهات والأباطيل على عُموم النَّاس الَّذين تختَلف مستَوياتهم العلميَّة والعقليَّة والدِّينيَّة، فإنَّ هذا أمرٌ له وقتٌ آخر للتَّطرُّق إليه بشيءٍ من البيان؛ وأمَّا الَّذي دعا إلى زبر هذه الكتابة هو إبرازُ الصَّحيفة لعُنوان بالبُند العَريض مضمونُه قول هذا القَادياني الجَزائري: «الخلاف بيننَا وبينَ السَّلفيِّين قولهم بعَدم استِمرار الوحي»
وهذا من أغرب أنواع التَّلبيس والتَّدليس وهو أن يحصر خلاف القاديانيَّة مع السَّلفيِّين فحسب؛ والحقُّ أنَّ خلافَهم مع جميع المسلمين على اختلاف نِحلهم وطوائِفهم؛ فهذه الفِرقة المسمَّاة بالقَاديانيَّة أو الأحمديَّة الَّتي ظهرت في الهند في القَرن التَّاسع عشر الميلادي على يد مؤسِّسِها المتنبِّئ الدَّجَّال المدعو ميرزَا غُلام أحمد القَادياني الَّذي تدرَّج في دعوته من داع إلى الإسلام ومُدافع عنه، ليستَدرج النَّاسَ إليه إلى أن تحوَّل داعية إلى نفسِه مدَّعيًّا أنَّه نبيٌّ يوحى إليه كما يوحى إلى الأنبياء، وأنَّه المسيحُ الموعُود، وأنَّ النُّبوَّة لم تُختَم بسيِّد المرسلين محمَّد بن عبد الله ﷺ ـ كما هي عليه عقيدةُ المسلمين بصَريح القُرآن والسُّنَّة ـ، فكان يزعم أنَّه «أحمد» المذكور في الآية الكريمَة ﴿وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ [الصف: 6]، وزعم أنَّه قَد نُزِّل عليه، وأوحيَ إليه أكثر مِن عشرة آلافِ آية، وأنَّ مَن كذَّبه فليس بمسلم، وأنَّه من أهل النَّار، وأنَّه يجبُ على المسلمين أن يحجُّوا إلى قاديان؛ لأنَّها بلدةٌ مقَدَّسةٌ ـ حسب اعتقاده ـ كمكَّة والمدينة، وأنَّها هي المقصودة في القُرآن بالمسجد الأقصى، فيقول في كتابه «الاستفتاء» (ص5): «بعثني اللهُ على رأس المائة؛ لأجدِّدَ الدِّينَ وأنوِّر وجهَ الملَّة، وأكسرَ الصَّليبَ، وأطفئَ نارَ النَّصرانيَّة، وأقيمَ سنَّةَ خير البريَّة، ولأصلحَ ما فسَدَ وأروِّج ما كسَد، وأنا المسيحُ الموعود والمهدي المعهُود، مَنَّ اللهُ عليَّ بالوحي والإلهام، وكلَّمَني كمَا كلَّمَ رسُلَه الكِرام» [نقلا عن كتاب «التَّيَّارات الفكرية المنحرفة» (ص446)].
وغير ذلكَ منَ الضَّلالات الكفريَّة الَّتي جاء مصرَّحًا بها في كتبه كـ«التَّذكرة»، و«رسالة الذِّكر الحكيم»، وغيرهما.
ولم يكن يُخفي ولاءَه للمُستَعمر الإنجليزي ويصرِّح بما يشهد عليه أنَّه صنيعة البريطانيِّين: لمجابهة الحركَة الجهاديَّة الَّتي ظهرت في الهند آنذاك، لكونه يحرِّم شعيرةَ الجهاد ويعطِّلُها؛ ولمناوأة عَقيدة أهل السُّنَّة والجماعة في شبه القارة الهنديَّة.
لقَد بادر علماءُ الإسلام في تلك الدِّيار بالتَّصدِّي لهذه الحركة الآثمة في أوَّل ظهورها؛ ومن أبرزهم الشَّيخ أبو الوفاء ثناء الله أمير جمعيَّة أهل الحديث في عموم الهند، حيث قام بمناظرة الأفَّاك «ميرزا غُلام» وأبانَ عوارَه، وكشَف خبثَ طويَّته، وانحرافَ نِحلتِه؛ ولمَّا لم يستَسلم هذا الكذَّاب للحقِّ المبين باهَلَه الشَّيخُ أبو الوفَا على أن يموت الكاذبُ منهما في حياة الصَّادق، ولم تمرَّ سِوى أيَّام قَلائل حتَّى هَلَك «الميرزا غُلام أحمد القَادياني» في عام 1908م، مخلِّفًا وراءه أكثر من خمسين كتابًا ونشرةً ومقالاً؛ كلُّها تدعو إلى ضلالاته وانحرافاتِه؛ وما توفِّي الشَّيخ أبو الوفا إلاَّ في حدود سنة 1948م أي بعد أربعين سنة رحمه الله رحمةً واسعةً.
ولمَّا تيقَّن النَّاس من بُعد اعتقادات هذه الطَّائفة عن عقيدة المسلمين اتَّخذ المجلسُ النِّيابي الإقليمي لمقاطعة الحدود الشَّماليَّة في دولة باكستان قرارًا في عام 1974م بإجماع أعضائِه، يعتَبر فيه الفئة القاديانيَّة بين مواطني باكستان أقليَّةً غير مسلمَة.
وقد صدَقُوا في ذلكَ وبَرُّوا؛ وبخاصَّة إذا علمنَا أنَّه في شهر ربيع الأوَّل عام 1394هـ الموافق أفريل 1974م انعقد مؤتمر برابطة العالم الإسلامي في مكَّة المكرَّمة وحضَره مائة وأربعة وأربعون وفدًا من جميع أنحاء العالم، وأعلنَ المؤتمر بالإجماع كُفر طائفة القاديانيَّة (الأحمديَّة)، وأنَّها نحلةٌ هدَّامةٌ خارجةٌ عن الإسلام خروجًا كاملاً، وأنَّ معتَنقيها كفَّارٌ مرتَدُّون عن الإسلام، وأنَّ تَظَاهُرهم بالإسلام إنَّما هُو شعارٌ يتستَّرون به للوصول إلى أغراضهم الخبيثة، وطالب المؤتمر المسلمين بمقاومَة خطَرِ هذه النِّحلة الضَّالَّة، وكشف أهلها وفضحِهم وعدَم التَّعامل معَهم، وعدم التَّزوُّج منهم، وعدم دفن موتاهم في مقابر المسلمين.
وقَد صَدرت قبلَها وبعدَها فتاوى متَعدِّدة مِن عدد منَ المجامع والهيئات الشَّرعيَّة في العالم الإسلامي، تقضي بكُفر القاديانيَّة (الأحمديَّة)، منها الجامع الأزهر والمجمَع الفِقهي التَّابع لرابطة العالم الإسلامي، ومجمَع الفِقه الإسلامي التَّابع لمنظَّمة المؤتَمر الإسلامي، وهيئة كبار العُلماء بالمملكة العَربيَّة السُّعوديَّة، هذا عدَا ما صَدر مِن فتَاوى عُلماء مصر والشَّام والمغرب والهند وغيرِها على اختلاف مذاهبهم الفقهيَّة.
وقد فشت هذه النِّحلة الباطلة في جهات بالهند وباكستان أين يعيش أكثر أتباعِها، كما وُجد لها أتباعٌ في بقاع شتَّى منَ الأرض، ويعتقدون أنَّهم في زمن الخلافة الرَّاشدة الثَّانية وهم اليوم تحت الخليفة الخامس منذ سنة 2003م.
والآن مع ظهور وسائل الاتِّصال الحديثة ركب موجتها القاديانيُّون وأضحى لهم وجودٌ في القنوات الفضائيَّة ومحطَّات الإذاعة والتَّلفزيون، وبلُغات مختلفة، ومن أشهرها القناة الفضائيَّة (mta) النَّاطقة باللُّغة العربية؛ فكُن منها على حذر! ولم يتغيَّبوا عن الشَّبكة العنكبوتيَّة العالميَّة، حيث لهم فيهَا حضورٌ قويٌّ بخاصَّة في مواقع التَّواصل الاجتماعي، إضافة إلى المجلاَّت والكُتب وغيرها من الوسائل الَّتي تحت أيديهم، وينشرون ترجمَات محرَّفةً لمعاني القُرآن الكريم بمُختَلف اللُّغات، ومازالوا يبشِّرون بدينهم الباطِل ليس بينَ الكفَّار والأعاجم فحسب، بل صاروا يتلصَّصون ويتربَّصُون للتَّسلُّل إلى ديار الإسلام وإلى الدُّول الإسلاميَّة العربيَّة السُّنيَّة في محاولة منهم لإيجاد مكانٍ لهم في وسَط هذه الفَوضى السَّائدة في زمَن الثَّورات على حين غفلة من أهل الحلِّ والعقد.
كما أنَّ للقاديانيِّين نشاطًا رهيبًا في إفريقيا، ويستغلُّون في ذلك مجالات عدَّة كالعَمل الخيري والتَّطبيب وفتح المدارس والمعاهِد وملاجئ الأيتَام، ونشاطهم التَّخريبي الواسِع المتنوِّع يؤكِّد دعمَ الجهات الاستعماريَّة لهم.
في الأخير نقول: نعَم إنَّ الوحيَ الَّذي كان ينزلُ على محمَّد ﷺ قَد انقطعَ بموتِه ـ عليه السَّلام ـ؛ لكن بقي وحيٌ آخر لم ينقَطع وهُو وحي الشَّيطان، قال تعالى: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ﴾ [الأنعام: 121]، وقال جلَّ ذكره: ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِين * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيم﴾ [الشعراء: 221 ـ 222]، وإنَّه لا يستَريبُ مسلمٌ معه مسكةَ عقل أنَّ ميرزا غُلام القَاديَاني قد أخذ بحظٍّ وافر ونصيب كبير مِن هذا الوحي الشَّيطاني؛ فهو لم يكن سوى دجَّال منَ الدَّجاجلة الَّذين جعَلوا ولاءهم للشَّيطان وحزبه ليَلبسُوا على أهل الإسلام دينَهم، وليخرِّبوا عليهم عقيدتَهم باسم الإسلام، وقد أبلغ في الوصف من وصف هذه الدَّعوة الآثمَة بقوله: «فهي ثورةٌ على النُّبوَّة المحمَّديَّة ـ على صاحبها الصَّلاة والسَّلام ـ، وعلى الإسلام، ومؤامرةٌ دينيَّةٌ وسياسيَّةٌ، إن وُجِد لها نظيرٌ في الخَطر والضَّرَر على الإسلام ففي الحركة الإسماعيليَّة الباطنيَّة الَّتي تولَّى كِبْرها عُبَيد الله بن مَيْمون القَدَّاح في القَرن الثَّالث الهجري، وأشكُّ أنَّها بلغَت مبلَغَ الأولى ـ القَاديانيَّةُ ـ في أصَالة الفَسَاد، ودقَّة المؤامَرة ومُعادَاة الإسلام» [«القادياني والقاديانيَّة» دراسة وتحليل (ص7)].
نسأل اللهَ أن يكفي الأمَّةَ شرَّ هذه الطَّائفة الضَّالَّة، وأن يحفظَ شبابَنا من شُبهاتها وتلبيسَاتِها؛ وأن يثبِّتنا جميعًا على نعمة الإسلام والسُّنَّة.


