مركز الشهاب الدعوي

مركز سلفي على منهاج النبوة

قسم الإعلانات والأخبار

آخر الأخبار

قسم الإعلانات والأخبار
قسم البطاقات والمطويات
جاري التحميل ...

البيان في أخطاء الاستشهاد بآي القرآن الجزء (9)



#راية_الإصلاح ـ جديد المقالات
البيان في أخطاء الاستشهاد بآي القرآن الجزء (9)
عز الدين رمضاني
منشور في العدد (34) من #مجلة_الإصلاح
رابط المنشور على التلغرام: https://t.me/rayatalislah/4729
رابط نسخة بدف: https://t.me/rayatalislah/4731

من استشهادات العامَّة ببعض ألفاظ القرآن المخالفة لمعناها المراد، قولُهم فيمن يتَّبع غيره ويحاكيه في أفعاله وأقواله ويحرص على الاقتداء به وتقليده في كلِّ ما هو عليه: «هؤلاء قومُ تُبَّع»، فجرت على ألسنتهم هذه المقولة على سبيل الذَّمِّ والتَّعيير لمن كان شأنه التَّقليد الأعمى، وهي ليست كذلك لـما سيأتي بيانه
وجه الخطأ:
فَهْمُهُمْ للفظة «تبَّع» من أنَّها تعني الاتِّباع، أو ما يشتقُّ منها؛ كالمتابعة والتّباع والتَّبعيَّة، ولم ينصرف فهمُهُم إلى أنَّ «تُبَّعًا» رجلٌ صالحٌ، والذَّمُّ إنَّما وقع على قومه لا عليه كما تشير إليه الآيات.
التَّصحيح والتوجيه:
ويأتي من وجوه عدَّة:
أوَّلُها: اعلم ـ وفَّقك اللهُ للفهم السَّليم ـ أنَّ لفظة «تبَّع» وردت في القرآن في موضعين:
الأوَّل: في قوله تعالى: ﴿ أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِين ﴾ [الدخان: 37].
والثَّاني: في قوله جلَّ وعلا: ﴿وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيد﴾ [ق: 14].
فالآيتان جاء فيهما ذكرُ قومِ تبَّع في معرض الذَّمِّ والتَّوبيخ على ما كانوا عليه من الكفر والعناد والتَّكذيب بالبعث والرُّسل؛ لدلالة السِّياق السَّابق واللاَّحق على ذلك، ولم يأتِ في الآيتين ذمُّ «تبّع».
ثانيها: أنَّ «تبَّع» اسم كانت تطلقه «حِمْيَر» على كلِّ من مَلَكَهُم من الملوك، كما تسمِّي الفرس من مَلَكَهم بكسرى، وقيصر لمن ملك الرُّوم، وفرعون لمن ملك مصر، والنَّجاشي لمن ملك الحبشة، وغير ذلك من أعلام الأجناس، أفاده ابن كثير في «تفسيره» (6/256).
ونقل ابن الجوزي في «زاد المسير» (7/348) عن أبي عُبيدة قوله: «كلُّ ملك من ملوك اليمن كان يُسمَّى تُبَّعًا؛ لأنَّه يتبع صاحبه، فموضع «تبَّع» في الجاهلية موضع الخليفة في الإسلام، وقال مقاتل: إنَّما سمِّي تبَّعًا لكثرة أتباعه»، لكن الظَّاهر من الآيات كما قال القرطبي في «تفسيره» (16/145): أنَّ الله سبحانه إنَّما أراد واحدًا من هؤلاء، لا كلَّ التَّبابعة، ثمَّ إنَّ النَّبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «لا تسبُّوا تبَّعًا؛ فإنَّه كان قد أسلم»، وهذا يدلُّ على أنَّه كان واحدًا بعينه.
وذكر ابنُ الجوزي في «تفسيره» (7/348)، وكذا القرطبي في «الجامع» (16/146) عن الكلبي أنَّ اسم تبَّع هذا: أبو كرب أسعد ابن ملكيكرب، وعند ابن كثير في «التَّفسير» (7/257) أنَّ اسمه أسعد أبو كريب ابن ملكيكرب اليماني.
ثالثها: جاء في الحديث نهي النَّبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن سبِّ «تبَّع»؛ لأنَّه كان مؤمنًا، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «لاَ تَسُبُّوا تُبَّعًا؛ فَإِنَّهُ قد كَانَ أَسْلَمَ»(1)، وفي قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «فَإنَّهُ قَدْ كَانَ أَسْلَمَ» إشارةً إلى أنَّه كانَ كافرًا قبلَ ذلك، قال ابن كثير (7/257) «وكأنَّه ـ والله أعلم ـ كان كافرًا ثمَّ أسلم، وتابع دين الخليل على يدي من كان من أحبار اليهود في ذلك الزَّمان على الحقِّ قبل بعثة المسيح ـ عليه السلام ـ».
وأمَّا قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «مَا أَدْرِي أَتُبَّعٌ لعين هُوَ أَمْ لاَ؟ ومَا أَدْرِي أعُزيرٌ نَبِيٌّ هُوَ أَمْ لاَ؟»(2)، فهذا قبل أن يوحى إليه في أمره، ثمَّ أعلمه الله بعد ذلك أنَّه أسلم، كما أفاده الشَّرَّاح(3) .
رابعها: تتابعت الرِّوايات والأخبار على نعت «تُبَّع» بالصَّلاح والخير، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: «كان «تبَّع» رجلاً صالحًا، ألا ترى أنَّ الله ـ عز وجل ـ ذمّ قومه ولم يذمَّه»(4) .
وعن قتادة قال: «وذُكِر لنا أنَّ كعبًا كان يقول عن تبَّع: نُعت نَعت الرَّجل الصَّالح، ذمّ الله قومه ولم يذمه»(5) .
وقد استفاضت النُّقول والآثار والتَّراجم، بذكر مدَّته الَّتي حكمها، واتِّساع ملكه، وكثرة رعاياه، واستقصاء أخباره الدَّالة على صلاح أمره؛ ككسوته الكعبة، حتَّى قيل إنَّه أوَّل من كسا الكعبة، وانصرافه عن المدينة بعدما أراد خرابها لمَّا أُخبِر أنَّها مهاجَر نبيٍّ اسمه أحمد، وإيمانه بالنَّبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وغير ذلك من أخباره، ولِما كان عليه من حميد الخصال وصالح الأعمال اختلف فيه هل كان نبيًّا أم مَلِكًا؟
فقيل: إنَّه كان نبيًّا، وروي عن ابن عبَّاس(6)، وقيل: إنَّه كان ملكًا من الملوك، وروي عن كعب(7) ، ووجه من قال بالأوَّل ما رواه الثَّعلبي في «تفسيره» (5/130) بإسناده إلى أبي هريرة مرفوعًا: «مَا أَدْرِي أَكَانَ تُبَّعٌ نَبِيًّا أَوْ غَيْرَ نَبِيٍّ»( 8 ).
والصَّحيح كما قال الألوسي في «تفسيره» (25/130) أنَّه كان على دين إبراهيم ـ عليه السلام ـ(9)، ولم يكن نبيًّا، وحكاية نبوَّته عن ابن عبَّاس لا تصحُّ، وما روي من أنَّه ـ عليه الصَّلاة والسَّلام ـ قال: «مَا أَدْرِي أَكَانَ تُبَّعٌ نَبِيًّا أَوْ غَيْر نَبِيٍّ» لم يثبت.
وممَّا تقدَّم يظهر أنَّ المذموم هم قوم «تبَّع» لا «تبَّع» نفسه، وذمُّهم كان بسبب جرمهم الَّذي هو الكفر، لا بسبب إمَّعَتِهم واتِّباعهم، وهذا يتنافى مع الاستشهاد الَّذي اعتقدوه في جملة «هؤلاء قوم تبَّع»، ثمَّ إنَّ الإعراب لا ينسجم مع ما ذهبوا إليه؛ وهو أن يكون النَّعت تابعًا للمنعوت في رفعه ونصبه وخفضه، وتعريفه وتنكيره، فلو قالوا: «هؤلاء قومٌ تبعٌ» لكان الاستدلال صحيحًا؛ لأنَّ معنى تبَّع متبوع، فهو فُعَّلٌ بمعنى مفعول، وقد يجيء هذا اللَّفظ بمعنى فاعل، كما قيل للظلِّ تُبَّعٌ؛ لأنَّه يتبع الشَّمس(10) ، ولكن إنَّما عنوا الجملة المأخوذة من الآية، وحينئذ لا يستقيم استدلالهم، والعلم عند الله تعالى الأكرم، وصلَّى الله على نبيِّه وسلّم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أحمد في «المسند» (22880)، وانظر «الصَّحيحة» (2423).
(2) أبو داوود (4674)، وصحَّحه الألباني.
(3) «فتح الباري» (1/66)، «عون المعبود» (12/280)، و«بذل المجهود» (18/198).
(4) الحاكم في «المستدرك» (2/450)، وقال: «صحيح على شرط الشَّيخين» ووافقه الذَّهبي، وقال الألباني في «الصَّحيحة» (5/549): «وهو كما قالا».
(5) «تفسير الطَّبري» (21/50)، و«تفسير ابن كثير» (7/258)، و«تفسير البغوي» (4/153).
(6) «تفسير القرطبي» (16/147).
(7) «تفسير القرطبي» (16/147).
( 8 ) شكَّك الحافظ ابن حجر في ««تخريج أحاديث الكشَّاف» أن يكون هذا الحديث روي بهذا الإسناد قال: والمعروف بهذا الإسناد (ما أدري ألعين هو أم لا..) ثمَّ نقل قول الدَّارقطني في إسناد الثَّعلبي أنَّه من تفرُّد عبد الرَّزَّاق (انظر «الكاف الشَّاف في تخريج أحاديث الكشَّاف» (5/475).
(9) ويشهد له حديث وهب بن منبِّه: «نهى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ النَّاس عن سب أسعد وهو تبَّع؟ قلنا: يا أبا عبد الله! وما كان أسعد؟ قال: كان على دين إبراهيم ـ عليه السلام ـ»، أخرجه ابن عساكر (6/11)، قال الألباني في «الصَّحيحة» (5/549): «هو شاهد مرسل جيِّد».
(10) انظر «روح المعاني» للألوسي (25/130).

عن الكاتب

أبو الحارث عماد بعلول شاب سلفي من مواليد 1995 أحب السنة وأهل السنة والجماعة

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

المتابعون

جميع الحقوق محفوظة

مركز الشهاب الدعوي

المشرف العام: أبو الحارث عماد بعلول