إن العبد إذا رأى شدائد الزمان، وتوالت عليه الفتن والمحن، قد يضيق صدره، ويستولي عليه الحزن، حتى تخرج منه كلماتٌ لم يتأنّ في وزنها بميزان العلم والشرع. وكثيرًا ما يدفع الألمُ الإنسان إلى الاستعجال في الحكم، فيظن أن تأخر الإجابة دليلٌ على الهوان، مع أن سنن الله في خلقه أعمق وأدق من أن تُحكم بالعجلة أو الانفعال.
ليس تأخر استجابة الدعاء دليلاً على الهوان، بل هو من سنن الابتلاء، كما جرى للأنبياء والصالحين من قبلنا. فهذا نبي الله نوحٌ، لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، يدعو ويبتهل، فلم يُستجب له إلا بعد قرون. وهذا نبي الله يعقوب، بكى حتى ابيضت عيناه، ولم يأتِه الفرج إلا بعد سنين طوال. وهذا زكريا، دعا ربه ، ولم يُستجب له إلا في شيخوخته. فهل كان هؤلاء مهانين على الله؟! أم أن الله اختبرهم بالصبر، ورفعهم بهذه المحن درجاتٍ عنده؟!
ثانيًا: إن الإجابة ليست مقتصرةً على وقوع المطلوب بعينه، بل قد تكون بحصول خيرٍ آخر، أو بدفع شرٍ أكبر، أو بتأجيل العطاء لحكمة لا يعلمها إلا الله. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من رجلٍ يدعو بدعاءٍ إلا أعطي إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها" (رواه أحمد). فكم من دعاءٍ ظن صاحبه أنه لم يُستجب، لكنه كان سببًا في لطفٍ خفي، وبلاءٍ رُفع، وشرٍّ اندفع دون أن يدري.
ثالثًا: إن الجزم بأن أحدًا لم يُستجب له فيه مجازفة عظيمة، إذ من ذا الذي اطّلع على قلوب العباد وأدعيتهم، حتى يحكم بذلك؟! بل قد يكون الله استجاب لكثيرٍ منهم بطرقٍ لا تُدركها الأعين، وقد يكون ادّخر لهم خيرًا أعظم مما يسألون. ولو أن الإنسان رأى الغيب كما هو عند الله، لعلم أن كل تأخيرٍ هو لحكمة، وكل منعٍ هو في حقيقته نوعٌ من العطاء.
رابعًا: إن أشد ما يفتك بالمؤمن في هذه الأوقات العصيبة هو أن يضعف يقينه بربه، وأن يظن به غير الحق، فإن حسن الظن بالله هو باب الفرج، وهو مفتاح الصبر والثبات. وإن الله لم يعذب قومًا قط لأنهم دعوه ولم يُستجب لهم، ولكن يعذب القلوب إذا غفلت عن الإيمان بوعده، واستعجلت ما عنده، وتوهمت أن الخير لا يأتي إلا على وفق ظنها.
فيا أيها الحزين المكلوم، الذي أوجعته المحن وأدمت قلبه المصائب، اعلم أن الله أرحم بعباده من أن يضيع دعاءهم، وأن رحمته أدركت كل شيء، وأن تأخير الإجابة لا يعني إهمال الدعاء، بل قد يكون ذلك لحكمة خفية لا يدركها إلا من وثق بحكم الله وأحسن الظن به. فلا تجعل الشدة تُنسيك اليقين، ولا تجعل الألم يحجب عنك نور الرجاء، فإن وراء العسر يسراً، وبعد الليل فجراً، والله أرحم بعباده مما يتصورون.
كتبه: سامي عجال وفقه الله


